إعداد مركز مناهضة العنف والكراهية
ملخص الأحداث:
يقدر عدد الضحايا المدنيين في الساحل السوري وريف حماة الغربي بـ 1700 شخص وهي حصيلة غير نهائية وماتزال قابلة للازدياد حتى اليوم نظراً للانتشار الجغرافي للمناطق التي ارتكبت فيها المجازر والانتهاكات ووجود قرى صغيرة مترامية حدثت فيها انتهاكات وجرائم.
شهدت مناطق الساحل السوري من تاريخ 9 كانون الأول 2024 عمليات قتل ذات بعد طائفي، بالإضافة لعمليات الخطف، والاعتقال التعسفي، والانتهاكات اللفظية والجسدية، حيث يعد مشهد دعوة المواطنين أثناء عبور الحواجز للعواء بعد معرفة طوائفهم أكثر المشاهد تكراراً في الساحل السوري.
جرت عملية استهداف لعناصر من الأمن العام يوم 6 آذار في جبلة وريفها ضمن هجوم مسلح شنه عناصر مسلحة أطلق عليها تسمسية فلول النظام.
ردت القوى العسكرية والأمنية في المنطقة بشكل مباشر على هذا الهجوم، منها ضرب بالمدفعية والطيران على قرى الدالية وبيت عانا.
دعا المجلس الإسلامي العلوي للتظاهر وخرجت مظاهرة في طرطوس تم إطلاق النار لتفريقها مساء يوم الخميس 6 آذار، بالمقابل خرجت مظاهرة في حمص ودمشق وعدة مناطق أخرى حملت شعارات طائفية وشتائم طائفية.
تحركت مساء الخميس مجموعات شبابية في عدة قرى في ريف جبلة بعضها كان منظماً ومعظمها كان عشوائياً، فخرجوا بالبندقيات وقطعوا طرق رئيسية في قراهم مع محاصرة قطع عسكرية ومحاولة السيطرة عليها.
تم إعلان النفير العام لقوات وزارة الدفاع، والأمن العام، بالإضافة للتعبئة الشعبية عبر الإعلام والجوامع ودعوة المدنيين للجهاد لحمل السلاح والتوجه للساحل.
لم يسجل حدوث معارك كبيرة أو مواجهات واسعة بين الفصائل والمجموعات المسلحة المسماة “فلول”. إذ تفرقت هذه المجموعات بسرعة ولم يكن هناك أي مقاومة تذكر للاحتفاظ بالمناطق المسيطر عليها.
بدأت المجازر والانتهاكات مع أول دخول للقرى بدءا من ريف حماة الشمالي وصولًا لريف اللاذقية الشمالي، ومن طرطوس المدينة حتى قرى بانياس والقدموس وجبلة والقرداحة.
اتبعت فصائل منضوية ضمن حملة وزارة الدفاع نهج القتل والانتقام العشوائي على أساس طائفي، تمت تصفية قرى وعوائل بأسرها، منها أطفال ونساء وكبار سن.
اتخذت عمليات القتل طابعاً ممنهجاً يستهدف مواطنين سوريين ينتمون للطائفة العلوية، حيث قتلت ذكوراً وإناث وأطفالاً وشيوخ على أساس طائفي.
استخدمت المدفعية والدبابات والمسيرات، مع إطلاق رصاص كثيف جدا بشكل عشوائي على القرى قبل الدخول إليها، فيما كان عناصر من وزارة الدفاع يطلقون هتافات طائفية ويؤكدون أنهم يستهدفون طائفة بعينها.
لم يقتصر الانتهاك على البشر، حرقت بيوت وممتلكات وسيارات ومضخات مياه، وسُرقت أجهزة كهربائية وكمبيوترات وهواتف محمولة، وذهب ومال.
استمرت الانتهاكات والمجازر بعد إعلان تشكيل لجنة التحقيق في أحداث الساحل يوم 3/9، وبعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية بتاريخ 3/10.
تركت الجثث في الشوارع لمدة تصل إلى أسبوع في بعض المناطق مثل حي الرميلة بريف جبلة. ومنعت السلطات إقامة عمليات دفن لائقة للضحايا وأجبرت الأهالي على دفن أبنائهم بصمت وحاولت منع أي محاولة لتصوير التشييع والدفن.
حتى آخر تحديث لهذه الورقة 4/02 ما زال الناس يتعرضون للقتل على أساس طائفي وآخر جريمة قتل 6 أفراد بينهم طفل بعمر 14 سنة في قرية حرف بنمرة بمدينة بانياس، والانتهاكات من حواجز الأمن العام، من ضرب وإهانة واعتقال. بالإضافة لعمليات القتل العشوائي والحرق والسرقة والسؤال الطائفي هل انت علوي ومن ثم البدء بتوجيه الاهانات له.
استمرار القتل والانتهاكات ما بعد المجازر الجماعية حتى 02 أيار 2025
تراجعت حدة المجازر الجماعية في 10 آذار 2025 لكن الجرائم استمرت بأشكال مختلفة حتى لحظة إصدار هذا التقرير في 02/04/2025:
استمرار عمليات القتل على أساس طائفي على الطرق الرئيسية في مناطق الساحل السوري وريف حماة وهي عمليات مستمرة منذ 10 كانون الأول 2024 حتى 25 آذار 2025 وبعضها تم باستخدام أدوات حادة مثل السكاكين خصوصاً في ريف حماة الغربي.
استمرار عمليات القتل التعسفي منذ 7 آذار حتى اليوم اعتقل آلاف المواطنين على أساس طائفي دون إذن قضائي أو الخضوع لمحاكمة أو تمكين ذويهم من زيارتهم أو حتى توكيل محامين لهم. بعضهم موقوفون في مراكز احتجاز تقليدية كالسجون ومخافر الشرطة وبعضهم في منازل أو أبنية مدنية تمت مصادرتها من قبل بعض الفصائل وتحويلها لمراكز احتجاز.
استمرار عمليات السرقة والتعفيش لمنازل وممتلكات العلويين في الساحل السوري وريف حماة الغربي وبعضها تتم أثناء وجود الأهالي داخل المنزل وأمام أعينهم وآخر حادثة موثقة لدينا للسطو على منزل وذويه بداخله كانت في قرية الرنسية يوم 23 آذار 2025. بينما آخر حادثة تشليح سيارة على أساس طائفي موثقة لدينا كانت يوم 25 آذار لمواطن على طريق حمص طرطوس كان يتنقل في سيارة بيك آب ومعه خضروات أوقفه حاجز بعد أرزونة وانزله من السيارة وسرقها بممتلكاتها لأنه علوي. هناك حوادث أخرى تلقيناها بعد التواريخ المذكورة ومازالت عمليات توثيقها جارية.
استمرار انقطاع ما يزيد عن 100 ألف طالب/ة مدرسة عن التعليم في الساحل السوري وريف حماة منذ 6 آذار حتى اليوم 2 أيار 2025 وذلك نتيجة غياب الاستقرار وانعدام الشعور بالأمان. (تم تقدير الأعداد من قبل 3 مصادر مسؤولة في وزارة التربية).
استمرار عمليات الترهيب وإطلاق النار العشوائي وآخر توثيق كان في حي بسنادا باللاذقية يوم 26 آذار 2025 وقبله في الدريكيش يوم 23 آذار 2025.
استمرار منع الأهالي من العودة إلى منازلهم في قرى ريف حماة الغربي ممن أجبروا على النزوح في 7 آذار 2025 وقد وثقنا إعتداء على المقابر في في بعض القرى مثل قرية “أرزة الغربية” التي شهدت اعتداء ًعلى المقابر والرموز الدينية بتاريخ 31 آذار 2025.
لم تتمكن السلطات من تحقيق الأمان للناس وكانت عناصرها مصدراً لعمليات غير قانونية حيث وثقنا حرق منازل في قرية الرميلة بريف جبلة في 11 آذار والتي كانت خالية من الأهالي ويوجد فيها عناصر وزارة الدفاع فقط، وكذلك وثقنا حرق منازل في قرية السلاطة بريف القرداحة يوم 11 آذار، بالإضافة لعدة قرى بريف القدموس.
حتى تاريخ 19 آذار شهدت قرية المختارية بريف اللاذقية عمليات حرق وسرقة لمنازل الأهالي وتعفيش كامل للمنازل والعبور على حواجز الأمن العام لسيارات تحمل المسروقات باتجاه طريق m4 شرقاً.
في طرطوس وثقنا حوادث سرقة مستمرة للمنازل على أساس طائفي وآخرها لمنزل صحفية في 25 آذار 2025، علماً أن زوجها كان قد قتل في 7 آذار وأجبرت على النزوح من منزلها منذ ذلك الحين قبل أن تتم سرقته.
وثقنا عشرات حالات الخطف والفقدان المستمر حتى يومنا هذا وآخرها في 24 آذار لامرأة من مدينة جبلة فقدت في كراج المدينة أثناء ذهابها لنقل ابنتها من مدرسة المدينة الى مدرسة القرية نظراً لاستمرار تدهور الوضع الامني في مدينة جبلة.
منع الأهالي من دفن ضحاياهم بشكل لائق وقامت السلطات بحفر مقابر جماعية ودفن فيها الضحايا بالشير وبرابشبو وعين العروس وصنوبر جبلة وبانياس، بينما منع الأهالي من دفن ضحاياهم في أرزة بشكل مباشر وتم دفنهم عبر وسطاء (جيران من قرى مجاورة).
استمرا نزوح آلاف العائلات إلى لبنان خوفاً من عمليات القتل الجماعي، بالاضافة لاستمرار نزوح آلاف العائلات إلى قاعدة حميميم للسبب ذاته.
سرد تفصيلي للأحداث من 6 آذار حتى 2 أيار 2025 (الانتهاكات مستمرة):
عصر يوم الخميس 6 آذار 2025 وصلت عدة دوريات إلى قرية بيت عانا بريف مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية تريد إلقاء القبض على أحد المطلوبين وقد جرت ملاسنة بين الأهالي والدورية تطورت لمنعها من إلقاء القبض على المطلوب، وبحسب شهادات الأهالي الذين تواصلنا معهم فإن سبب المخاوف ناجم عن فقدان الثقة بينهم وبين السلطات الانتقالية نظراً لتكرار حالات الاعتقال خارج إطار القانون واختفاء المعتقلين بعد اعتقالهم وعدم وجود نظام قضائي عادل وانتشار عمليات التصفية.
تراجعت الدورية وغادرت القرية دون اعتقال المطلوب إلا أنها تعرضت لكمين على أطراف القرية من قبل مجموعات مسلحة يطلق عليها توصيف “فلول النظام”، وأعلنت وكالة الأنباء الرسمية سانا أن الكمين أسفر عن مقتل عنصر وإصابة آخر وأقرت بإرسال تعزيزات وحصار قريتي الدالية و بيت عانا.
بعدها بدأت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمروحية تقصف في قرية الدالية (تم التأكد من صحة الفيديو ومكان وتاريخ تصويره)، وسمع في مدينة جبلة أصوات 6 قذائف صاروخية انطلقت من الكلية البحرية في مدينة جبلة نحو قريتي الدالية وبيت عانا اللتان تبعدان حوالي 20-30 كم عن نقطة إطلاق الصواريخ.
في الأثناء دعا المجلس الإسلامي العلوي للتظاهر احتجاجاً على قصف القرى بالطيران والصواريخ وقد خرجت مظاهرات بناء على دعوته في اللاذقية وطرطوس وقد تم الاعتداء على التظاهرة وإطلاق النار لتفرقة المتظاهرين مساء الخميس 6 آذار 2025.
تبعها في المساء هجمات من عناصر مسلحة على مواقع للأمن العام على عدد محدود من النقاط الأمنية والعسكرية وقطع بعض الطرقات الرئيسية مثل طريق حماة اللاذقية (الغاب) والذي شهد كميناً للأمن العام أسفر عن وقوع ضحايا، بالإضافة لقطع طريق القدموس بانياس، وسجل هجومين على موقعين عسكريين أحدهما نقطة عسكرية في اسطامو بريف جبلة، والآخر في الكلية البحرية في جبلة والتي تعرضت لإطلاق نار مساء 6 آذار. وقال محافظ اللاذقية إنها حوصرت وشكر المقاتلين فيها على انتصارهم، بينما وصلت تعزيزات عسكرية إليها في 7 آذار بحسب وكالة سانا التي لم تشر لأي اشتباكات في محيط الكلية أو أي صعوبات واجهت طريق التعزيزات.
في مساء 6 آذار ظهرت أخبار وصفحات تشير لمسؤولية العقيد في جيش النظام السابق غياث دلا عن هذا الهجوم، مع بث منشورات ورسائل منسوبة له، كما أشير لارتباط مقداد فتيحة متزعم التشكيل الذي كان قد أعلن عنه من قبل (درع الساحل). إلا أن “دلا” لم يظهر في أي فيديو ولم يسجل أي وجود له ولا يعرف مكانه وتشير المعلومات أنه اختفى في 7 ديسمبر 2024.
في حين لا يوجد أرقام رسمية أو معلومات عن ضحايا أجهزة الأمن في مواجهات الساحل السوري وفقط هناك خبر لقناة الجزيرة المقربة من السلطات الانتقالية يقول إن عدد الضحايا 15 شخصاً فقط في حين تداولت مصادر غير رسمية أرقاماً متضاربة بعضها بالمئات إلا أن أي مصدر رسمي لم يعلن عن أي حصيلة. في حين لم نتمكن من إجراء إحصاء رسمي للعدد لكننا رصدنا حالتي تشييع ضحايا للأمن العام الذين قتلوا في الساحل السوري أحدها في إدلب حيث شيع أهالي من بلدة سلقين أبناءهم الضحايا المتطوعين في الأمن العام والثانية في حماة مسقط رأس جزء آخر من ضحايا الأمن العام.
إن تتبع الهجمات وشكلها ونمطها يشير إلى أنها كانت هجمات عشوائية تشبه هجمات العصابات غير المنظمة “الهجوم والهرب” بغياب السلاح الثقيل والخطة والاستراتيجية، كما أن المواجهات المسلحة المتبادلة بين طرفين واضحين انتهت في عصر7 آذار، بينما أعلنت السلطات الانتقالية عبر وزارة الدفاع عن انتهاء العمليات العسكرية في 10 آذار ودون أي مقاومة تذكر منذ عصر 7 آذار.
وقد وثقنا اتفاقات على الإخلاء والاستلام والتسليم في عدة نقاط رئيسية بين العناصر المهاجمين وعناصر الأمن العام وتبعها عمليات تأمين انتقال عناصر الأمن إلى مكان آمن وفي أماكن أخرى تم توثيق اتفاقات على تسليم العناصر المحتجزين دون أي قتال.
النفير العام
مساء يوم 6 آذار تم إعلان النفير العام وأصدر المجلس الإسلامي السوري وهو أعلى سلطة دينية في سوريا حينها بياناً قال فيه نهيب بجميع المواطنين التجاوب مع دعوات الحكومة للنفير العام بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله للوقوف في وجه الغوغائية النتنة.
وختم بيانه بالدعوة لنصر المجاهدين الأبطال.
ونادت الجوامع في عدة مناطق في دمشق وغيرها بالدعوة للجهاد، وقد وجه بعض الشخصيات تهديدات مباشرة لقرى بعينها قبل أن تنفذ المجازر فيها. مثال في ريف حماة وجه أبو جابر الخطابي وهو قيادي جهادي تحريضاً مباشراً على قرية أرزة، ومن ثم في اليوم التالي ايضاً وجه تحريضا على القرية في صلاة الجمعة قبل أن تتوجه جموع من العسكريين والمدنيين للقرية وارتكبوا مجزرة بحق أهلها.
واندلعت مظاهرات في مناطق مختلفة من سوريا تنادي بالجهاد والهجوم على الساحل، تم خلالها رفع هتافات طائفية دون تدخل السلطات، بالمقابل تعرضت وقفة صامتة في دمشق تندد بالجرائم المرتكبة في الساحل والاعتداءات على الأمن العام لهجوم يحمل بعداً طائفياً وتم فضها بالقوة دون أن يقوم الأمن العام بحماية المدنيين المشاركين بالوقفة كجزء من مسؤولياته في ضمان استمرارهم في التعبير عن موقفهم بحرية وأمان.
كما ظهرت مقاطع لقوات عسكرية تحت مسمى فصائل وزارة الدفاع والأمن العام تتجه نحو الساحل لمواجهة الفلول. كما تم تسليح مجموعات مدنية من مدن الداخل السوري لتتوجه إلى الساحل.
الدخول لمناطق الساحل وبدء المجازر
بداية من صباح 7 آذار.. كانت المختارية التي تبعد 15 كم عن مدينة اللاذقية أول قرية سجلت حدوث مجازر فيها، إذ تم قتل 148 شخصًا قمنا بتوثيق أسمائهم جميعاً بينهم امرأة ويافعون دون سن 18 عاماً.
ضحايا المختارية قتلوا بدم بارد عبر طرق متعددة مثل تجميع العشرات في مكان واحد ومن ثم قتلهم أو القتل داخل المنازل، وسبقت عمليات القتل انتهاكات للكرامة الانسانية عبر دفع الضحايا للعواء مثل الكلاب قبل قتلهم أو الضرب بالعصي والأيدي والأرجل إضافة للإساءات الطائفية وشتائم موجهة للطائفة العلوية. وبعد القتل تمت سرقة المنازل ومن ثم إحراقها.
تتابع المجازر بحسب خط سير الأرتال العسكرية
اعتمدت فصائل وزارة الدفاع مسارين رئيسيين في خط سيرها:
الأول هو طريق إدلب اللاذقية: فبدأت المجازر من قرية المختارية الواقعة على طريق ادلب اللاذقية ثم انتقلت إلى قرية الشير التي وثق فيها مقتل 65 مدني أيضاً تم قتلهم بطرق مشابهة للمختارية أصغرهم الطفل فجر نضال مرتكوش بعمر 14 سنة وأكبرهم كامل رزق الشيخ بعمر 80 عاماً. علماً أن هناك مفقودين مجهولي المصير حتى 16 آذار 2025.
شملت المجازر الطائفية أيضاً في النطاق ذاته قرى برابشبو، الشلفاطية، والشامية.
عند مدخل اللاذقية انقسم الرتل باتجاهين الأول دخل إلى مدينة اللاذقية واتجه إلى حي الدعتور والذي جرى فيه مقتل 69 شخص بينهم امرأتين ورجل دين معروف في الحي. بعضهم تم قتله بشكل فوري والبعض الآخر قتلوا بعد اعتقالهم ورميت جثامينهم في شوارع الحي بينما قام القتلة بسرقة هواتفهم المحمولة وعملوا على ترهيب ذويهم وتهديدهم عبر استخدام هواتف الضحايا دون اي احترام لمشاعر ذويهم.
أما القسم الثاني فقد تابع طريقه باتجاه مدينة جبلة عبر الأوتوستراد، وتوزع على أرتال صغيرة كل رتل فرعي يدخل قرية ويترك آثاره فيها على شكل جرائم وقتل وانتهاكات، فقد تركت الاثار في سلسلة من القرى بدأها بقرية “صنوبر جبلة” التي ارتكب فيها مجزرة راح ضحيتها 189 مدني بينهم أطفال أحدهم الطفل يوسف مصطفى 15 عاماً.
كذلك الحال في قرية عين العروس التي وثقنا فيها مقتل 88 مواطناً من أهلها خلال الهجوم الذي شنته فصائل ضمن الحملة التي تقودها وزارة الدفاع في الحكومة السورية الانتقالية. وهذه حصيلة غير نهائية أيضاً فهناك مفقودون مجهولي المصير حتى الآن ومن بين الضحايا في عين العروس 10 نساء و3 من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يستطيعون المشي وأطفال قتلوا مع آبائهم وأمهاتهم.
على ذات الطريق دخلت الفصائل إلى قرية “قبو العوامية” التي قتل فيها أكثر من 50 شخص أيضاً وأحرق فيها 120 منزلاً إحراقاً مباشراً بقصد الأذى وعلى خلفية طائفية بما في ذلك إحراق المقامات الدينية بالقرية والتي ينتمي سكانها للطائفة العلوية.
من قرية القبو نشرت الفصائل التي هاجمت القرية فيديو تظهر فيه السيدة أم أيمن ريحان وهي تقف إلى جانب جثامين أولادها وحفيدها وتتلقى من عناصر الفصائل عبارات طائفية وشتائم للطائفة العلوية التي تنتمي لها وهو انتهاك واضح لحرمة الضحايا وإساءة مباشرة لذويه وعدم احترام لمشاعرهم ودليل مباشر على دوافع القتل الطائفية.
فيما نشر أحد العناصر صورة له وهو يدوس على جثمان ابنها سهيل وهو مدرس ومترجم وناشط في السلم الأهلي معروف بالمنطقة وتم قتله على أساس طائفي. وعلى الرغم من وضوح الوجوه في الفيديو والصور إلا أن السلطات السورية لم تعلن عن اعتقال المسؤولين عن هذه الجريمة حتى الآن.
على الطريق ذاته دخلت الفصائل قرى حميميم العسالية والرميلة وارتكبت مجازر بحق أهلها الذين لم يتم حصر اعدادهم بشكل دقيق بعد نظراً لأن الأهالي نزحوا من بيوتهم بعد الهجوم والتجأوا إلى قاعدة حميميم. وعلى الرغم من إعلان السلطات السورية وقف العمليات العسكرية في 8 آذار إلا أننا رصدنا عمليات حرق للمنازل في القرى المذكورة حتى يوم 12 آذار. علماً أن الأمن العام وفصائل وزارة الدفاع تنتشر في القرية ويوجد نقطة عسكرية فيها تتمركز بها قوات وزارة الدفاع.
في داخل مدينة جبلة لم يكن الوضع أفضل حيث شهدت المدينة مساء يوم الخميس دعوات للجهاد عبر المآذن ويؤكد شهود عيان أنه تم توزيع السلاح على مدنيين من قبل الأجهزة الأمنية، وهو ما تؤكده تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي لوجهاء في المدينة اعترفوا بشكل مباشر أن المدنيين كانوا يحملون سلاحاً ويقاتلون مع الأجهزة الأمنية وبينهم طبيب بالمشفى الميداني لمدينة جبلة والذي تم تأسيسه في يوم 6 آذار بالقرب من جامع أبي بكر في مدينة جبلة. وهو أمر يطرح تساؤلات حول حيادية الدولة في سحب السلاح وايضاً يحمل السلطات مسؤولية الزج بمسلحين غير مدربين في مواجهات مسلحة وما يلحق بهم من أضر
مجازر في جبلة وقرفيص
المدينة شهدت اشتباكات مع فلول النظام في عدة مواقع منها جسر “أم برغل” وكذلك الكلية البحرية ومواقع أخرى وهي اشتباكات اقتصرت على ليل الجمعة فقط بينما لم تسجل أي اشتباكات من هذا النوع في الأيام الأخرى.
إلا أن مجازر وقعت في الأحياء العلوية ارتكبت يوم السبت صباحاً مع دخول الفصائل العسكرية إلى المدينة وعلى سبيل المثال شهد شارع الفروة في مدينة جبلة استهدافاً مباشراً للمدنيين على أساس طائفي وقتلت عائلات كاملة من بينها عائلة المحامي المتقاعد عبد اللطيف علي صاحب السبعين عاماً والذي قتل في منزله مع ولده مجد وهو شاب مبتور اليد منذ 20 عاماً وابنه الثاني الدكتور بشر وقد أكدت عائلته أنه قتل على أساس طائفي داخل المنزل بعد أن تأكد قاتلوه أنه من الطائفة العلوية.
اللافت في بداية دخول الفصائل لمدينة جبلة أنها لم تميز بين السكان حيث لم يتوقع العناصر من مرتكبي الانتهاكات وجود سنة في المدينة لذلك فإنهم في البداية بدأوا بعمليات السرقة والتكسير والحرق بشكل عشوائي ما دفع بعض اصحاب المحال التجارية في المدينة للكتابة على أبواب محلاتهم “سني” حتى لا تتم سرقتها.
الجرائم الطائفية والانتهاكات امتدت إلى ريف مدينة جبلة القريب والبعيد وقد استخدمت الأرتال خلال عبورها العنف غير المبرر لناحية الاستهداف العشوائي لأي مدني ترصده في طريقها وإطلاق النار على المنازل على جانبي الطريق دون أن يكون هناك أي إطلاق نار على الرتل. واعتمد الرتل العسكري سياسة التعفيش والسرقة خلال عبوره وعلى سبيل المثال توقف الرتل عند مطعم في رأس العين وسرق كل محتوياته وقام بتكسير الزجاج بقصد الحاق الضرر والتدمير وقد نشر صاحب المطعم مقطع فيديو تحققنا من صحته يظهر ما بعد الاعتداء. وفي قرية المكسحة بعد رأس العين قام الرتل بقتل الشاب “علي” يتيم الأبوين ومعفى من الخدمة الالزامية يرعى أخوين من ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك بسبب انتمائه الطافي.
إلا أن الانتهاكات تراجعت ابتداءً من قرية قصابين على طريق جبلة حماة (الغاب) ومن بعدها اقتصر الرتل على العبور وكان ذلك اعتباراً من صباح 9 آذار 2025 والذي بدأ فيه تراجع الجرائم الجماعية مع استمرار الانتهاكات وجرائم القتل الفردي والقتل خارج القانون.
في ريف جبلة أيضاً وفي قرية قرفيص وقعت مجزرة طائفية أيضاً راح ضحيتها 29 مدني بينهم عائلات عبارة عن أب وأبنائه، وقد ارتكبت هذه المجزرة من قبل أرتال قادمة من جهة بانياس وفق ما تشير معطياتنا وشهادات الأشخاص الذين شاهدوا الرتل أثناء عبوره، حيث تمركز جزء منه في داخل نبع السن الذي يغذي الساحل السوري بالمياه ومن بعدها قطعت المياه عن الساحل السوري ولم نتمكن من كشف سبب قطعها إلا أن الأهالي يتهمون الفصيل بأنه وقف خلف عملية القطع في إطار سياسة العقاب الجماعي.
الرتل توجه إلى قرية قرفيص والتي يتواجد فيها مقام أحد الرموز الدينية العلوية واسمه الشيخ أحمد بقرفيص حيث تم العبث بالمقام ومن ثم تم التوجه إلى منزل الصحفي الرياضي أكسم دوبا وهو مالك جريدة الرياضية وهو ابن العماد علي دوبا أحد رموز نظام الأسد في التسعينات والثمانيات. حيث تم قتله في المنزل مع اثنين من العاملين لديه.
قتل في قرية قرفيص 29 مدنياً على أساس طائفي بينهم اثنان بعمر سبعين عاماً وهما محسن عبود وفؤاد معلا، ورجل بعمر 67 عاماً واسمه ياسر سليمان وقتل الى جانبه ولداه عمار وأحمد. كما شهدت القرية إحراق عدد من المنازل وسرقة بعض السيارات.
الأرتال القادمة عبر طريق حمص طرطوس
الأرتال الأخرى عبرت من أوتوستراد حمص طرطوس وهذا لا يعني أنها جاءت من حمص فقط فبحسب ما تتبعناه فهي جاءت من الرستن من ريف دمشق من حماة وحمص أيضاً إضافة لمناطق أخرى.
الأرتال أيضاً توزعت على القرى في طريقها إلى طرطوس وكانت أول محطة انعطف رتل نحوها هي قرى أرزونا وكرتو والتي شهدت عمليات قتل جماعي وعشوائي في القريتين، وقد وثقنا عمليات قتل داخل المنازل وفي الطرقات بالإضافة لاختطاف العشرات. والانتهاكات ماتزال مستمرة في المنطقة وبأشكال مختلفة وعلى أساس طائفي وقد رصدنا يوم 23 آذار عمليات نهب وسرقة على أساس طائفي استهدفت قرية الرنسية. وبحسب الشهادات التي حصلنا عليها وعمليات التحقق فإنه تم سرقة القطع الثمينة مثل الذهب والهواتف بما فيها هواتف الأطفال.
باقي الأرتال استمرت باتجاه مدن طرطوس وبانياس، حيث وثقنا انتهاكات محددة في طرطوس تتمثل بالأذى الممنهج لناحية حرق الممتلكات وتدميرها لأسباب طائفية بالإضافة لعمليات سرقة بعضها موثق لدينا بكاميرات المراقبة من داخل المحال المعتدى عليها.
بانياس الإبادة الجماعية للأسر لأنها علوية
الوضع في بانياس كان مختلف تماماً عن مدينة طرطوس فقد شهدت المدينة تحشيداً طائفياً كبيراً ودعوات للجهاد فيها مساء يوم الخميس 6 آذار.
شهدت مدينة بانياس جرائم قتل جماعي على أساس طائفي استهدفت عائلات بالكامل لأنها علوية خصوصاً في حي القصور الذي شهد مجازر يندى لها جبين الإنسانية لناحية قتل عائلات كاملة بما فيها الأب والأم والأبناء لأنهم علويون. ومازالت مجازر حي القصور غير موثقة بالكامل فبعض الأسر قتلت بالكامل ولم يبقَ منها أي شخص وجثامينهم نقلت من منازلهم إضافة لوجود مفقودين مجهولي المصير.
جرائم قرى طريق بانياس القدموس
لكن شكل الجرائم في بانياس عموماً وحي القصور خصوصاً كان مركزاً على الإبادة الجماعية للأسرة بالكامل فبحسب ما تمكنا من توثيقه في بيئة عمل صعبة ومعقدة المخاطر فإن الفصائل التي دخلت الحي كانت تبحث عن بيوت العلويين الذين تمكن بعضهم من الالتجاء لبيوت جيرانهم من السنة لحماية أنفسهم. بينما لم تنجح عائلة الدكتور بسام صبح في إيجاد مكان تلتجئ إليه فاحتمت في المنزل رفقة عائلة جيرانهم أيضاً حيث دخلت الفصائل إلى المنزل وكان آخر اتصال بين الدكتور بسام وأقربائه قبل دقائق من دخول الفصائل إلى منزله حيث قال إنهم بدأوا بالتكبير في الحي وصعدوا إلى البناء وبعدها انقطع الاتصال به وبكل أفراد العائلة وجيرانهم أيضاً ليتبين لاحقاً أنه قتل في المنزل مع زوجته الدكتورة ربا وابنه الدكتور حيدرة وشقيقه الأصغر ورد وهو قاصر.
عائلة الدكتور حسين محمد لم ينج منها أحد وقتل الأب والأم والأبناء الثلاثة، عائلة المهندس كميت سلمان أيضاً تم قتله مع زوجته وابنه وغيرهم الكثير من العائلات الأخرى.
كما أن الضحايا في حي القصور بقيت جثثهم في المنازل والشوارع لأيام قبل أن يتم نقلها من قبل الدفاع المدني فالأهالي الذين نزحوا من الحي لم يعودوا إلى منازلهم رغم مرور قرابة 3 أسابيع على المجازر إلا أن عوامل الأمان ماتزال غائبة.
إضافة إلى المجازر شهد الحي عمليات حرق ونهب وسرقة استهدفت المنازل والمحال التجارية والمنشآت إلخ.
بحسب شهادات الأهالي من حي القصور فإنهم شاهدوا أشخاص بزي مدني يحملون أسلحة بجانب فصائل ترتدي لباس عسكري كامل وجعب وبعضها يضع عصبة التوحيد “لا إله إلا الله”، كما شاهدوا مقاتلين أجانب عرف من لهجتهم مصري، عراقي، تونسي وبعضهم أشكالهم قوقازية وبعضهم يضع عصبة كتب عليها المهاجرين. فيما حصلنا على شهادات تشير لمشاركة فصيل “أبو الفضل” بالدخول لحي القصور الذي شهد جرائم قتل جماعي على أساس طائفي.
من بانياس خرجت أرتال باتجاه القدموس يوم 8 آذار وخلال مرورها عبرت عدة قرى وكانت تترك آثارها العنفية في كل قرية.
منهج مرور الفصائل اعتمد سياسة إطلاق النار الكثيف من بعيد باتجاه القرية أو باتجاه أجوائها وكذلك نحو الأحراش المحيطة بها في استهداف عشوائي واضح استخدمت فيه طائرات الدرون والدبابات ومدافع 23.
بعدها كان يتم الدخول للقرى وتبدأ عمليات الحرق حيث وثقنا حرق منازل ومحلات تجارية وصيدليات حتى ولو لم يكن في القرية أي إنسان. ففي قرية بارمايا التي تعرضت لتخريب متعمد كانت فارغة من الأهالي الذي كانوا قد هربوا مسبقاً نحو الأحراج بعد أن وصلتهم أنباء ما حدث في حي القصور حيث وجدوا في الغابات وبين الوحوش بعضاً من أمان فقد في بيوتهم.
بارمايا: يوم السبت 8- آذار عصراً خرج رتل من بانياس باتجاه القدموس أفاد البعض بأنه من بين الفصائل المتحركة فصيل “الرحمن” هكذا عرف عن نفسه.
بدأوا بإطلاق النار من لحظة دخول القرية باتجاه المنازل والمحلات والأحراش المحيطة بالطريق واستخدمت الدرونات والأسلحة الثقيلة رشاش 23 ويؤكد مصدر أن عدد من الضحايا قضوا نتيجة إصابتهم بشظايا الخشب المتطايرة نتيجة ضرب الرشاشات على الاحراش وتأخر إسعافهم.
كتب المعتدون في بارمايا عبارات على الجدران مثل (أسود الغاب) و (لعنكم الله ياعباد الصليب) و (جئناكم بالذبح من هنا مر الحموية- دعسناكم).
سجل حتى اللحظة وفاة 22 شخص في بارمايا تم دفنهم سوية على دفعتين في مقبرة الشيخ علي ومقبرة الشيخ فراس الدين بحضور الأمن العام مع منع التصوير أو أية أعراف متعلقة بالدفن.
يؤكد مصدر تواجد عناصر من الأمن العام ضمن القرية أثناء حصول الاعتداء ويؤكد أيضا بعد التواصل مع أحد عناصر الأمن العام لطلب إيقاف إطلاق النار باتجاه الأحراش أنهم يجب أن يطلقوا النار باتجاه أي ضوء يظهر في الأحراش ليلا لأنهم فلول نظام هاربين ومن كان فعلا هناك هم أهل القرية.
الحطانية: في يوم الأحد ٩/٣/٢٠٢٥ تم اقتحام قرية الحطانية من اتجاه قرية اسقبلة بعد أن كان قد استقر الرتل فيها خلال الليل
بدأ الهجوم على القرية بكافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة من السلاح الفردي حتى الدبابات مع إطلاق نار كثيف باتجاه الاحراش التي التجأ إليها سكان القرية خوفا من الأخبار الواردة بما تقوم به هذه القوات من قتل وإحراق وتخريب كل شي بطريقة وحشية.
عند وصل الرتل إلى أحد المقامات وجدو مجموعه من الشبان الذين اختبأوا قرب المقام فقاموا بقتلهم فورا وأكملوا الطريق الى داخل القرية.
تم توثيق ١٤ قتيل مدني بالإضافة إلى عدد من الجرحى..
استمر القصف وإطلاق النار من الساعة ٩ صباحا إلى ٣ بعد الظهر.
وعندما علم أهالي القرية بخروجهم عاد جزء من السكان ليشاهدوا ماذا حدث للمنازل حيث صدموا بحجم الدمار والحرائق والتخريب الحاصل فقد تم توثيق جميع الأضرار بوهي ٥٥ منزل حرق كامل و٣٤ منزل حرق وتخريب جزئي.
حمام واصل: للتنويه سجل تواجد رتل الأمن العام في القدموس ظهر الأحد في مدينة القدموس ومع ذلك دخل رتل عسكري من الطريق الوحيد من القدموس باتجاه حمام واصل ودخلوا القرية التي أخلاها سكانها وقاموا بقصف عشوائي بالأسلحة الثقيلة وحرق منازل وسجل حرق 40 منزل وضحية واحدة واستمر القصف لحوالي الساعة ونصف.
ريف حماة.. قتل الزعيم الروحي للطائفة العلوية الشيخ شعبان المنصور عن عمر ناهز 80 عاماً
من جهة أخرى فإن منطقة ريف حماه الشمالي الواقعة على طريق إدلب اللاذقية، والتي لم يحصل فيها أي هجوم للفلول بأي شكل من الأشكال ولم يتحرك فيها أي عنصر مسلح من الأهالي؛ إلا أن قراها قد استهدفت من قبل فصائل عسكرية منضوية ضمن حملة وزارة الدفاع مع المجموعات المتطوعة، مثل قرية أرزة، وخط سير القرى الممتد من سلحب، إلى دير شميل، بستان الفندارة، التون.
في أرزة دعا أبو جابر الخطابي أهالي القرية ليل الخميس لمغادرتها نحو الساحل السوري، وفي اليوم التالي بعد صلاة الجمعة وجه جموع المحتشدين نحو القرية حيث قامت مجموعات مدنية بالمرور إلى القرية عبر حاجز الأمن العام الذي لم يمنعهم ولم يدافع عن القرية العلوية نهائياً حيث قتل المهاجمون 30 شخصاً وسرقوا منازل القرية وأحرقوا بعضها.
علماً أن القرية سبق وأن تعرضت لمجزرة طائفية في نهاية شهر كانون الثاني 2025 عندما هاجمت مجموعات مسلحة القرية وقتلت 8 من أبنائها على أساس طائفي بينهم قاصر بعمر 17 سنة وشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة يعاني مشكلة في العينين.
أهالي بلدة أرزة مازالوا حتى تاريخ اليوم 2 أيار ممنوعين من العودة إلى منازلهم وقد تم تهجيرهم جميعاً من منازلهم ووضعت السلطات إشارات على بعض البيوت في القرية بعضها كتب عليها وقف لحركة أحرار الشام وبعضها وقف لهيئة تحرير الشام.
في بلدة سلحب بريف حماة أيضاً شهدت القرية دخول الفصائل المسلحة مساء الخميس 6 آذار علماً أن القرية كانت هادئة قبل دخول الفصائل ولم تشهد أي حراك ضد السلطات من أي نوع كان.
قتل في القرية 14 مدنياً بدم بارد وأمام عوائلهم بعضهم قتل مباشرة وبعضهم قتلوا بعد اعتقالهم من قبل فصائل تابعة للسلطات الانتقالية أو منضوية ضمن عملياتها.
من بين الضحايا في سلحب الزعيم الروحي للطائفة العلوية الشيخ شعبان المنصور والذي يبلغ من العمر 80 عاماً.
تم اقتحام منزل الشيخ شعبان في حوالي الساعة 9:30 من صباح يوم الجمعة 7 آذار من قبل مجموعة عسكرية دخلت مع قوات وزارة الدفاع إلى القرية ودخلوا إلى غرفة الشيخ وكان الشيخ مريضا لا يستطيع الحراك.
عندما دخل المسلحون إلى غرفته وجهوا له الكلام: (عامل حالك نايم) وهو حقيقة نائم فهو رجل كبير بالعمر ومريض وكان قد أجرى منذ فترة قصيرة عملية جراحية برأسه (كان لديه خثرة بالدماغ، وعملية أخرى في فخذه) أي أنه لم يكن قادراً على المشي دون أن يسنده أبناؤه.
تم حمل الشيخ شعبان من قبل اثنين من المجموعة والخروج به خارج المنزل، وكان جميع أبناء الشيخ وأحفاده ملقين على الأرض ويتم ضربهم بأخمص البندقية وتم إطلاق النار بينهم لترهيبهم.
وهم يخرجون الشيخ حاول ابنه حسين اعتراضهم عبر الزحف والوصول إلى الباب ليقف أمامه ويمنعهم من إخراج والده الرجل المريض البالغ 80 عاماً فبدأوا بضربه ومن ثم أطلقوا النار عليه وأصابوه برصاصتين.
حملوا الشيخ من فوق جسد ابنه (المصاب)، وأخذوه بالسيارة معهم. حيث عثر على جسده بعد ساعات مرمياً في الأراضي الزراعية على يسار الطريق المتجه من منزل الشيخ نحو قلب بلدة سلحب وفي جسده 3 أعيرة نارية.
أما ابنه حسين المصاب برصاصتين فقد كان مازال على قيد الحياة عند خروج الفصائل من المنزل لكن عندما حاولوا إسعافه بالسيارة تم منعهم لحوالي ساعتين ونصف. وعندما غادرت الفصائل الشارع تمكن ذووه من إسعافه إلى مستشفى محرده حيث فارق الحياة قبل أن يصل وبقي قرابة 3 ساعات ينزف أمام أعين ذويه وهم عاجزون عن إسعافه.
الشيخ شعبان المنصور من الشخصيات المشهورة والمعروفة بأياديها البيضاء فقد ساهم ببناء مستشفى خيري في ريف حماة، ولديه مقولة مشهورة: والله لا أجيز على الاطلاق ذل بشري وإذا استطعت سأدفع عنه الذل…. وحتى لو تعرضت للأذى فأنا مسامح.
من سلحب اتجهت الفصائل باتجاه دير شميل وأصيلة والتويمة والرصافة وارتكبت مجازر قتل جماعي وقتل خارج القانون في القرى التي مرت بها أيام 7 و8 و9 و10 آذار قبل أن تتراجع جرائم القتل الجماعي وتتحول لحالات فردية مصحوبة بانتهاكات واسعة مستمرة حتى اليوم.
في قرى ريف حماة الغربي قتل المدنيون العلويين لأنهم علويون ففي قرية الرصافة على سبيل المثال تم توثيق قتل أكثر من 61 مواطناً بينهم 5 أطفال و3 طلاب جامعة بعمر العشرين، و3 من ذوي الاحتياجات الخاصة وامرأتين، إضافة لقتل عائلات بشكل جماعي أب وأبنائه مثل عائلة حيدر أسعد 65 عاماً الذي تم قتله مع ابنه واخوته إجمالي عددهم 6.
في قرية التويم وحدها قتل عشرات الأهالي بدم بارد وكان هناك تركيز واضح على قتل حتى الأطفال حيث وثقنا مقتل 14 طفلاً بعضهم في الخامسة من العمر.
تحليل وتوصيات
منذ 8 كانون الثاني 2024 يوم تحرير سوريا من نظام الأسد أبدى العلويون انفتاحاً على الدولة الجديدة، وأعلنوا تأييدهم لها في مناسبات وأشكال مختلفة وأبرز صورة لهذا الانخراط تتجلى في بيانات التأييد، الإقبال على مراكز التسوية وتسليم السلاح ممن كانوا في الجيش والقوى الأمنية وتقدم عشرات الآلاف لتسوية أوضاعهم في مراكز افتتحها السلطات الانتقالية على الرغم من المخاوف الحقيقية لدى العلويين من الخلفية الجهادية للسلطات الانتقالية.
بالمقابل تعاملت السلطات مع العلويين وفق منهج إقصائي حالهم حال باقي المكونات السورية، وقوبلت احتجاجات العلويين على حرق مقام رجل الدين العلوي “الخصيبي” بعنف مفرط من السلطات خصوصاً في حمص التي شهدت انتهاكات واسعة بحق العلويين في شهر ديسمبر 2024. وعلى الرغم من ذلك بقي العلويون منفتحون على السلطات التي قابلت الأمر بعمليات فصل واسعة للموظفين العلويين من عملهم في مؤسسات الدولة بالساحل السوري. كذلك فصلت جميع الموظفات من ذوي الضحايا المقاتلين مع النظام السوري وترك نساء أرامل مع أولادهم اليتامى بدون دخل في تخلي واضح للدولة عن مسؤولياتها وتطبيق لسياسة العقاب الجماعي على أسر كاملة.
اعتمدت السلطات منهج التعيينات من لون واحد (هيئة تحرير الشام وحلفائها في إدلب سابقاً) حيث كلفت من تسميهم المتجانسين معها بمختلف المهام السياسية والأمنية والاقتصادية وإدارة مؤسسات الدولة سواء على الصعيد المركزي أو على مستوى الساحل السوري.
لم تراعي السلطات خصوصية الساحل السوري لناحية العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية الأقرب للعلمانية، فعينت عناصر ومسؤولين أمنيين في الساحل السوري متطرفين وأجانب مارسوا انتهاكات واسعة بحق المدنيين مثل التمييز على أساس الطائفة، شتم العلويين أثناء المرور على الحواجز أو خلال المرور في قراهم وأحيائهم وهناك فيديوهات موثقة لهذه الانتهاكات.
سمحت السلطات لتيارات دعوية جهادية أن تجول بالساحل السوري وتكفر العلويين وتدعو للباس الشرعي والنقاب في تدخل واضح بحرية اللباس لدى النساء العلويات اللواتي يتمتعن بحرية وحقوق واستقلال نسبي في الثقافة المجتمعية العلوية.
لم تدخل السلطات لوقف خطاب الكراهية الممنهج بحق العلويين والذي عبر عنه بأشكال مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام التابعة للسلطات والمقربين منها وصلت حد اتهام العلويين بأنهم كانوا يحكمون سوريا ومسؤولون عن انتهاكات النظام حتى وصل الأمر بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للقول بشكل علني في مؤتمر بروكسل 2025 لدعم مستقبل سوريا وأقتبس منه حرفياً: “أدى 54 عاما من حكم الأقلية إلى مقتل مليون سوري وتهجير أكثر من 15 مليون آخرين.. وإلى قمع الأغلبية والأقليات الأخرى على حد سواء. وهو اتهام تحريضي خطير وقع حتى بعد جرائم الساحل في دلالة واضحة أن السلطة لم تجري بعد مراجعة لخطابها ليعبر عن خطاب دولة حريصة على السلم الأهلي وليس جماعة جهادية.”
شكلت السلطات بعد المجازر في الساحل السوري لجنة تحقيق بقرار من الرئيس أحمد الشرع وحتى في هذه تم تغييب العلويين والمكونات الاخرى عن اللجنة واستمرت سياسة التعيين من اللون الواحد. وهو ما شكل أزمة ثقة مع هذه اللجنة التي لم يعين فيها أي شخص من الساحل السوري لا أي شخص قريب من بيئة الضحايا الأمر الذي أدى لخوف الأهالي من الإدلاء بشهاداتهم أمامها.
تبنت السلطات رواية أن فلول نظام الأسد هم من قتلوا المدنيين في الساحل السوري (أهاليهم) وهو ما جاء على لسان محافظ اللاذقية في لقاء متلفز مع قناة العربية. وهذا يعني استباق نتائج لجنة التحقيق وتقديم أحكام مسبقة من قبل السلطة وثانيا تجاهل تام للتقارير ومقاطع الفيديو الموثقة التي صورها مرتكبو المجازر أنفسهم ونشروها وهم يقومون بجرائمهم بحق الطائفة العلوية.
شكلت السلطات بقرار من رئيس الجمهورية ايضاً لجنة للسلم الأهلي من 3 أفراد جميعهم مقربون من رئيس الجمهورية ويعبرون عن اللون الواحد أيضاً ومن بينهم مسؤول عسكري وهذا أيضاً أضعف قدرة اللجنة عن العمل وحمل تهميشاً اخر لأهالي الضحايا.
شكلت السلطات منذ 8 ديسمبر أجهزة أمنية وعسكرية من لون واحد فقط ورفضت قبول العلويين الراغبين في التطوع في الأمن العام وهو ما خلق هوة بين الأجهزة الأمنية والمجتمعات المحلية في الساحل السوري
أجرى الرئيس السوري لقاءات مع ممثلين ووجهاء من مختلف المناطق والطوائف لكنه امتنع عن إجراء أي لقاء مع العلويين في تهميش واضح لهم وعدم اعتراف بوجودهم.
نظمت السلطات مؤتمراً للحوار الوطني غيب عنه العلويون بشكل لافت واقتصر تمثيلهم على بضع أشخاص ليس لديهم أي تمثيل شعبي أو حوامل مجتمعية في بيئة العلويين.
أطلق عناصر من الحملة العسكرية التي تقودها وزارة الدفاع على الساحل السوري خطاباً طائفياً واضحاً وموثقا بالصور وفيه شتائم تعكس عدم حيادية المؤسسة العسكرية في البلاد وعدم تبنيها قيماً وطنية
اعتمدت السلطات على إعلاميين رافقوا العملية العسكرية ارتكبوا انتهاكات مهنية وأخلاقية خلال عملهم على تغطية الأحداث في الساحل السوري
التوصيات
- وقف الانتهاكات فوراً بالساحل السوري بكل أشكالها
- إخراج القوى والعناصر الأجنبية من الساحل السوري
- عودة القوى العسكرية السورية إلى ثكناتها
- فتح حوار مباشر مع المجتمعات المحلية في الساحل السوري وبين المجتمعات السورية ككل
- مواجهة خطاب الكراهية بكل أشكاله وتبني خطاب وطني من قبل السلطات يركز على السلم الأهلي
- احترام الخصوصية الثقافية والمجتمعية للساحل السوري ومنع التدخل بالحريات الدينية والفردية وإيقاف الحركات الدعوية التي تجوب مناطق الساحل السوري وتدعو النساء العلويات للحجاب
- إعادة بناء المؤسسات وعلى رأسها الأمن العام وفق هوية وطنية غير طائفية
- اعتماد مبدأ اللامركزية وتمكين المجتمعات المحلية من إدارة وتنظيم شؤونها بشكل يجعلها ممثلة بالسلطات المحلية إضافة لحقوقها بالتمثيل المركزي
- تشكيل شرطة محلية في الساحل السوري قوامها من أبناء المنطقة يكون دورها ضبط الأمن وتراعي الخصوصية الثقافة لأهالي الساحل السوري وتحترم حريتهم الدينية والفردية
- إرسال مساعدات عاجلة للساحل السوري
- السماح بدخول منظمات حقوقية وإغاثية لمعاينة الوضع ومساعدة الأهالي إنسانياً
- السماح بدخول وسائل إعلام محايدة لرصد الأوضاع
- إرسال مراقبين محايدين إلى الساحل السوري لمراقبة الانتهاكات والمساعدة على وقفها.
كيف ينظر القانون الدولي للجرائم المرتكبة في سوريا
وفقًا للقانون الدولي، يمكن توصيف الجرائم التي تم استعراضها في التقرير بعدة تصنيفات استنادًا لاتفاقية جنيف لعام 1949 وبروتوكلاتها الإضافية، ونظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية 1998، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1965 واتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
بناءاً على ماسبق فإن هذه الجرائم يمكن توصيفها بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتحريض على الكرايهة نظراً لـ:
- المادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف، التي تحظر الهجمات العشوائية ضد المدنيين.
- يُعد التعذيب والمعاملة الوحشية انتهاكًا للمادة 3 من اتفاقيات جنيف. وأيضاً يعد جريمة ضد النسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998.
- ينتهك التدمير المفرط للممتلكات المدنية المادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول.
- التمييز العنصري والطائفي: يشكل انتهاكًا للمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة.
خلاصة الجرائم التي تم استعراضها في التقرير تتراوح بين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتمييز طائفي، وهي جميعها محظورة بموجب اتفاقيات دولية مثل اتفاقيات جنيف (1949)، نظام روما (1998)، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966)، والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري (1965).