تقرير توثيقي حول أنماط الاستيلاء غير القانوني على الممتلكات في سوريا خلال الفترة 2024–2025
معدّ التقرير: مركز مناهضة العنف والكراهية في سوريا
تاريخ الإصدار: تشرين الثاني / نوفمبر 2025
نوع التوثيق: تقرير توثيقي استقصائي مبني على شهادات مباشرة ووثائق قانونية
تصنيف الانتهاكات: استيلاء غير قانوني، انتهاكات للملكية الخاصة، اضطهاد طائفي، تهجير قسري
استيلاء على الممتلكات في قلب العاصمة دمشق
استولى العنصر في الأمن السوري “ع.ح” على منزل في حي المزة فيلات بالعاصمة دمشق مطلع أيلول 2025، وذلك بعد أن قام بخلع قفل المنزل واستبدله بآخر ومنع أصحاب المنزل من دخوله كما رفض السماح لهم بالحصول على احتياجاتهم الشخصية.
في عام 2022 اشترت المحامية “فيروز حسن” منزلاً في العاصمة دمشق من أصحابه ودفعت ثمنه وانتقلت ملكيته لها في الوثائق الرسمية بشكل قانوني، وأجرت لاحقاً له عمليات صيانة حتى تمكنت من الإقامة فيه وتحويل جزء منه لمكتب تعمل من خلاله في مهنة المحاماة وتدافع عن حقوق موكليها.
في صيف عام 2025 سافرت المحامية في إجازة لزيارة عائلتها وعادت مع ابنتيها في 1 أيلول لمنزلها وعند محاولتها الدخول تبين لها أن المفاتيح التي لديها لم تعد تفتح الباب، وبعد محاولة وقرع على الباب رد عليها شخص من الداخل وأعلمها أنه يملك المنزل حالياً، وأن عليها المغادرة.
توجهت المحامية مباشرة إلى وزارة الداخلية لتقديم شكوى بدأتها من فرع الأمن السياسي في المزة إلى مخفر شرطة المزة، وتقول إنها عرفتهم عن نفسها وسمعت كلاماً طائفيا أثناء تقديم الشكوى ووجهت لها أسئلة وكأنها متهمة يتم التحقيق معها بدل إعادة حقوقها، وأن المسوؤلين حاولوا ربطها بأي من مسؤولي نظام الأسد ووجهت لها إساءات بوصفها امرأة علوية.
وتتابع المحامية أن قضيتها لم تجد متابعة من الشرطة والنيابة العامة كما يجب أن تفعل وتتدخل في هكذا حالات استيلاء على الملكية وسلب حقوق واقتحام منزل ذو ملكية خاصة، ما دفعها في نهاية الأمر لمحاولة مقابلة وزير الداخلية حيث استقبلها مدير العلاقات العامة في الوزارة وتعاون معها ودفع قسم الشرطة لتحويل ملفها للقضاء العسكري كون المستولى على البيت عنصر في الاستخبارات السورية حالياً وبالتالي هو تابع لوزارة الدفاع.
وعلى الرغم من مضي شهرين ونصف على القضية إلا أنه إلى اليوم لم تستعد السيدة منزلها، ولم تقم السلطات السورية بما يلزم لإخراجه من المنزل، إلا أن السلطات لاحقتها لدفع فواتير الكهرباء للمنزل رغم أنها لا تسكن فيه وهناك من استولى عليه.
هذه القصة هي واحدة من سلسلة عملية استيلاء غير قانوني على حقوق وملكيات على أساس طائفي تم رصدها وتوثيقها في الفترة مابين 8 كانون الأول 2024 و20 تشرين الأول 2025.
أنماط مختلفة من الاستيلاء غير القانوني على الممتلكات
وتشمل عمليات الاستيلاء “منازل، محال تجارية، أراضي زراعية، أشجار مثمرة”..إلخ، وفي معظم الحالات التي تم رصدها يستولي على المنزل مسلحون مدعومون من السلطات الانتقالية وتابعون لها أو أقرباء لهم.
في ريف حماة تم الاستيلاء على منزل من 3 طوابق ومعه محلات تجارية تعود لإحدى الأسر، وذلك بعد تهديدات طائفية تعرضت لها الأسرة وأجبرتها على النزوح من قريتها، ويشير الشاهد إلى أنه كان قد أجّر أحد الشقق التي يملكها لإحدى العائلات قبل فترة لكن العائلة تعرضت للتهديد أيضاً بأن تغادر المنزل فخافوا على أنفسهم وتركوا الشقة.
بعدها قام مسلحون بالاستيلاء على ممتلكاته والمحال التجارية بقوة السلاح وأسكنوا عائلات فيها، ويقول الشاهد أن من استولى على منزله شقيق لأحد المسؤولين الأمنيين في ريف حماة. وبحسب الوثائق التي حصلنا عليها فإن الأرض التي بني عليها المنزل مملوكة لوالد الشاهد منذ أكثر من نصف قرن وأنه ورثها منه وبنى عليه الشقق والمحال التجارية منذ عقود.
في ريف حماة أيضاَ استولت شخصيات وشركات مدعومة من الحكومة السورية على أراضي زراعية -شركة اكتفاء- في قرية معان وتمت سرقة محصول الفستق الحلبي ومنع الأهالي من جني محاصيل أراضيهم، وكذلك تم الاستيلاء على عشرات البيوت المملوكة لأهالي مهجرين من القرية.
استمرار الاستيلاء على قرية أرزة وتهجير سكانها
وفي قرية أرزة الغربية بريف حماة تمت مصادرة القرية بالكامل والاستيلاء على منازل أصحابها منذ 10 آذار 2025 وحتى اليوم دون أي تدخل من السلطات لإعادة الحقوق وإيقاف عمليات الانتهاك.
يقول الشاهد أنه نزح بعد المجزرة التي ارتكبت في القرية يوم 7 آذار وعاد بعد حوالي أسبوع بعد قراءته خبر لوزارة الداخلية مفاده أنها أعادت مسروقات لأهالي أزرة وظهر في الفيديو عناصر أمن في القرية لحماية الأهالي، لكنه فوجئ عند عودته بأنه وجد أشخاصاً قد استولوا على منزله ومنازل أخوته وممتلكاتهم وهم عائلة تسكن بجوار بعضهم البعض.
وأضاف الشاهد أنه تقدم بشكوى بدأت من الحاجز الأمني الموجود على مدخل القرية وصولاً لمحافظ حماة لكن أحداً لم يستجب لشكواه أو لشكاوى أهالي القرية الذين تم تهجيرهم جميعاً والاستيلاء على منازلهم وأرزاقهم ومحاصيل زيتونهم.
أنماط مختلفة من الاستيلاء على الملكيات واستجابة حكومية متفاوتة
لقد وثقنا أنماط مختلفة من الاستيلاء على المنازل والممتلكات، بعضها من قبل قوى أمنية وعسكرية استولت على بيوت لشخصيات محسوبة على نظام الأسد وحولتها لمقرات لها، وبعضها بيوت وممتلكات لشخصيات مدنية عادية. ومعظمها عمليات استيلاء تمت بشكل غير قانوني ودون قرارات قضائية وأذونات قضية.
في ريف القرداحة مثلاً استولت مجموعة أمنية على منزل لأحد السكان وأخرجت صاحبه منه ونصبت حاجزاً أمامه استمر لفترة من الزمن ثم غادروا المنزل وأزالوا الحاجز وعاد المنزل لأصحابه.
بينما في مدينة اللاذقية وثقنا الاستيلاء على منزل لسيدة كانت مسافرة للعلاج في دمشق وعند عودتها وجدت مسلحاً قد سيطر عليه، وقد راجعت السيدة محافظة اللاذقية وأعادوا لها منزلها، وكذلك الحال وثقنا منزلاً في مدينة جبلة تم الاستيلاء عليه ومن ثم تم إعادته لأصحابه.
لكن ماتزال مئات المنازل مستوى عليها حتى الآن في مناطق متفرقة من سوريا خصوصاً في الساحل السوري وريف حماة والعاصمة دمشق وريف دمشق.
التوصيف القانوني للانتهاكات
عمليات الاستيلاء تتم بشكل غير قانوني، وما أشرنا له في هذا التقرير مختلف تماماً عن القرارات القضائية التي تقضي بحجز الممتلكات أو مصادرتها لصالح الدولة وما إلى ذلك، وإنما كلها عمليات استيلاء غير قانونية وتمت عن طريق القوة أو الترهيب وبشكل مخالف للقوانين والأنظمة النافذة، بينما شهدنا ردة فعل حكومية في التعامل مع بعض الحالات شهدنا انعدام لردة الفعل في حالات أخرى كالحالات الموثقة التي أشرنا لها أعلاه وهي جزء من عشرات الحالات التي قمنا بتوثيقها.
الأنماط والسلوكيات التي تم توثيقها تشير إلى وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الملكية الخاصة، بما في ذلك الاستيلاء غير القانوني على الممتلكات، والتهجير القسري، وهي أفعال محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما لائحة لاهاي (1907) واتفاقية جنيف الرابعة (1949). كما تتضمن هذه الوقائع عناصر الاضطهاد القائم على أساس الانتماء الطائفي، وهو ما يندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي.
إضافة إلى ذلك، تعكس الحالات الموثقة حرمانًا ممنهجًا من الوصول إلى العدالة وغيابًا للانتصاف الفعّال، في مخالفة مباشرة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
أما في القانون السوري، فيعاقب قانون العقوبات على جرائم اغتصاب العقار والتعدي على ملكية الغير والتهديد ، وإساءة استعمال السلطة ، ويتطابق ذلك مع ما ورد في الشهادات من خلع الأقفال، وتغيير المفاتيح، والسكن بالقوة، ومنع المالك من دخول منزله أو الوصول إلى ممتلكاته.


