ترهيب السومرية… الإخلاء بالقوة لا بالقانون

لجنة الإسكان تخالف القانون وتتجاوز القضاء السوري

يواجه سكان حي السومرية في دمشق عملية إخلاء عبر القوة والترهيب المباشر الذي مورس على السكان خلال 72 ساعة الماضية. بهدف إجبارهم على ترك منازلهم وممتلكاتهم والمغادرة دون وجه حق وفي ظل انتهاك واضح لحقوق الإنسان والقوانين الناظمة في سوريا.

دخلت قوة مسلحة يوم الأربعاء 27 آب 2025 إلى حي السومرية على أطراف العاصمة دمشق والذي يسكنه غالبية من الطائفة العلوية، وتقدم شخص قال إنه مسؤول القوة التنفيذية والمكلفة بإخلاء الحي من سكانه وقال لهم عليكم الإخلاء خلال 72 ساعة. كما سلّم مسؤول القوة المسلحة الأهالي ورقة موقعة من لجنة الإسكان والتي أشير في ترويستها أنها تابعة للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية. وتفتقد الورقة للتاريخ ولاسم من وقع عليها شخصياً بالاضافة لافتقادها للمرجعية القانونية حيث لا يحق لهذه اللجنة إصدار أمر بالاخلاء.

لمحاولة معرفة دور هذه اللجنة وحيثياتها عملنا على مراجعة الجريدة الرسمية للاطلاع على قرار تشكيلها وتاريخه ومهامها ومرجعيتها القانونية، لكننا لم نعثر على أثر لها مايجعلها لجنة غير شفافة وغير واضحة المرجعية القانونية.

بيوت مدنية مثبتة قضائياً.. واحد من الأحياء المخالفة

يقع حي السومرية على أطراف العاصمة دمشق بالقرب من المعضمية، وهو أحد الأحياء المخالفة في دمشق وريفها.

يوجد في الحي نوعان من المساكن المتجاورة، الأولى مساكن عسكرية تلقى شاغلوها أمراً بالإخلاء قبل أشهر وقاموا جميعاً بتسليمها والخروج منها دون أي اعتراضات أو إشكالات وحالياً تقوم وزارتا الداخلية والدفاع بترميمها.

بينما الجزء الثاني هي منازل مدنية تم بناؤها على مراحل بعضها يعود لأكثر من 50 عاماً. ويقدر عدد شاغلي هذه المنازل ببين 15 و20 ألف نسمة.

وبالعودة للكتاب رقم 3904 الصادر عن محافظة دمشق في شباط 2025 وموقّع من قبل المحافظ ماهر مروان، فإن محافظة دمشق هي المسؤولة عن العقار وأنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء إداري دون العودة للمحافظة.

وحول موضوع أن هذا العقار ملك أشخاص وبالمخالفات بنيت على ملكيات شخصية فبالمراجعة يتبين أن العقار استلمك من قبل الدولة، وأنه تم تسليم قيمة الاستملاك للمستملك منه وشركاؤه قبل عشرات السنين. وبالتالي العقار مبني على ملكية عامة تابعة لمحافظة دمشق التي تؤكد أنها المعني الوحيد بهذه العقارات.

علماً أن محافظة دمشق تقر بالمساكن المشادة على العقار وشاغليها وتشير إلى حقوقهم، وبالتالي تصبح هذه المساكن وإن كانت مخالفات خاضعة للقوانين والأنظمة وحقوق الملكية المصانة قانونياً ودستورياً والتي تنقسم لملكية الأرض وكذلك ملكية البناء والأثاث ولا يجوز التعدي عليها.

كما أن قرار لجنة الإسكان يصبح موضوع جدل قانوني حول هل يحق للجنة أن تصدر قراراً حول موضوع متعلق بمحافظة دمشق؟!. وهو ما نتناوله في جزء لاحق من هذا التقرير حول قانونية القرار من أساسه.

انتهاكات… ترهيب وعنف طائفي واستناد غير قانوني

عملية الإبلاغ بالاخلاء الفوري يوم الأربعاء بدأت مباشرة بالترهيب الفوري للأهالي لدفعهم نحو المغادرة بأسرع وقت ممكن. حيث بدأت باعتقال مختار الحي وأعضاء من اللجنة من قبل عناصر القوة التنفيذية المسلحة مجهولة المرجعية والتي رافقها عناصر من الأمن العام.

ولجنة الحي هي لجنة معتمدة من محافظة دمشق بالإضافة للمختار المعتمد من المحافظة، وبالتالي هم يمثلون الإدارة المحلية بشكل رسمي ولهم صفة رسمية، ومع ذلك تعرضوا للاعتقال المترافق مع العنف اللفظي. ثم أخلي سبيلهم لاحقاً بعد تدخل من عدة أطراف من ضمنها محافظة دمشق.

كما تخللت العملية انتهاك للحقوق والملكيات الفردية عبر اقتحام المنازل بالقوة، وقد وثقنا شهادات لأهالي تم اقتحام منازلهم بالقوة ودون إذن قضائي. وبحسب الشهادات فإنه تم تكسير بعض أثاث المنزل واستعراض القوة بالاضافة لاستخدام عبارات طائفية وشتائم لسكان البيوت. كما حصلنا على مقاطع فيديو لأحد المنازل الذي تعرض للاعتداء ويوضح المقطع جانب من العبث بالمنزل وتحطيم الأثاث.

بالإضافة لذلك قامت القوة المسلحة والتي تقول إنها مكلفة من قبل الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية بوضع إشارات x على بعض الجدران وكتابة عبارات دينية أيضاً وهو سلوك يشبه السلوكيات التي كانت تمارس قبل تحول الفصائل إلى عناصر في وزارة الدفاع والداخلية إثر سقوط النظام. حيث كان عناصر الفصائل بعد السيطرة على قرى أو بلدات جراء معارك مع النظام يضعون إشارات على جدران بعض المنازل في إشارة لاستملاكها ويكتبون عبارت دينية على الجدران.

وقد راجع الأهالي بعد الحادثة محافظة دمشق والتقى بعضهم بالشيخ “أبو الخير” المسؤول عن الملف في المحافظة. وبحسب تأكيدات المسؤولين في المحافظة فإنه لاعلاقة لهم بأمر الإخلاء وقد تفاجؤوا به مثل الأهالي.

كما تواصل الأهالي مع لجنة السلم الأهلي وتحديداً مع الشيخ “حسن صوفان” الذي أعلمهم أنه يسعى لحل المشكلة ووقف عمليات الإخلاء.

إلا أن اعمال العنف والترهيب والتهديد التي مورست على الأهالي دفعت عشرات العائلات للمغادرة خوفاً على حياتهم، وقال أحد الذين غادروا في حديثه معنا إنه لم يعد يأمن على حياته في المنزل ففضل النجاة بروحه على البقاء.

تمييز طائفي ومناطقي

يعد حي السومرية واحداً من عشرات الأحياء المخالفة في العاصمة دمشق، وهو أحد مئات الأحياء المخالفة على مستوى سوريا.

ومحاولة إخلائه برأي الأهالي تحمل تمييزاً طائفياً ومناطقياً، على اعتبار أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن خطة وطنية لمعالجة أزمة المخالفات، ولا عن آلية المعالجة، وإنما تم استهداف حيهم وبشكل غير قانوني. بينما الأحياء الأخرى المعروفة بالسكن العشوائي والمخالفات سواء في العاصمة دمشق أو في باقي مناطق سوريا لم يتم الاقتراب منها. الأمر الذي يفهم بسياق طائفي.

بمراجعة آليات التعامل مع العشوائيات بين المناطق، وصلنا إلى تعميم صادر يوم أمس 28 آب ويخص الأبنية المخالفة في حلب. حيث يشير التعميم إلى السماح للأهالي بترميم وإصلاح منازلهم المخالفة. وهو تعميم صادر عن المديرية العامة للإدارة المحلية في حلب.

وهذا التعميم يقدم تسهيلات واضحة للأهالي الذين لديهم منازل مخالفة في إطار تحمل الدولة لمسؤولياتها تجاه الأهالي وحقوقهم في السكن ولو كان مخالفاً. بينما بالمقابل نجد تخلي للدولة عن مسؤولياتها في السومرية وتهجير الأهالي من منازلهم ونزع ملكياتهم.

المخالفة القانونية

قرار الإخلاء صادر عن لجنة الإسكان وهي لجنة مجهولة الهوية أصلاً، وبعيداً عن ماهية اللجنة فهي أولاً ليست الطرف المعني فالطرف الثاني غير شاغلي العقارات هو محافظة دمشق وبالتالي القضية المتنازع عليها بين المحافظة وشاغلي العقار.

وفي حالة كهذه يكون القضاء هو الطرف المعني بالفصل وليس أي طرف آخر مهما كانت صفته، علماً أن الموضوع سبق طرحه وهناك لجنة حل خلافات تدخلت وقرارات قضائية صدرت بالملف منذ العام 2006 كما أشرنا. ما يعني أن أي قرار إخلاء من سلطة تنفيذية هو قرار مخالف قانونياً.

وبحسب قانون أصول المحاكمات السوري لا يجوز تنفيذ أي أمر إخلاء إلا بقرار قضائي.

كما أننا أمام حالة واضحة فيها نوعان من الملكية، ملكية الأرض المشاد عليها البناء، وكذلك ملكية البناء والأثاث وله حرمته وحقوقه المدنية المصانة بالقانون.

وبحسب القانون المدني أيضاً فإن هذه الحالة هي حالة حيازة مستقرة دون انقطاع تعود لعشرات السنين وبالتالي نحن لا نتحدث عن مخالفة مشادة حديثاً. ما يحسم الأمر حول الحاجة لقرار قضائي لأي تنفيذ.

ما يعني حكماً أي قرار صادر عن لجنة الإسكان يُعتبر معدوماً لافتقاده الأساس القانوني.

انتهاكات مرافقة لأمر الإخلاء

ترافق الإخلاء مع جملة من الانتهاكات والمخالفات للقانون السوري، أولاً وبعيداً عن عدم شرعية القرار من أساسه فإنه لايمنح الشاغلين المدة الكافية للاعتراض مثلاً. فهو يمنحهم مدة 72 ساعة فقط وهذا مخالف لأبسط حقوق الإنسان.

كيف سيؤمن هؤلاء مساكن بديلة، وينقلون أغراضهم…ووإلخ. فأي دولة هذه التي ترمي مواطنيها بالشوارع دون تقديم بدائل وحلول؟.

كما أن حملة المداهمات التي رافقت العملية فيها انتهاك لحرمة المسكن التي نص عليها القانون السوري وصانها.

كما أن القرارات حول ملف من هذا النوع تصدر بشكل فردي لكل شاغل على حدة وعبر القضاء ولايجوز إصدار قرار جماعي فلكل حالة خصوصيتها وظروفها القانونية للتعامل معها.

وبالتالي هناك جملة عوامل بالاستناد لها يكون الإخلاء غير قانوني نهائياً وغير جائز، وفيه مخالفة للإعلان الدستوري وقانون أصول المحاكمات والقانون المدني.

كما أنه مخالفة لحقوق الإنسان ولمسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وحقهم في الحصول على رعايتها وحمايتها، وحقوقهم بالتقاضي والدفاع عن مصالحهم.

والإعلان الدستوري لسوريا نص بشكل واضح في المادة 12 الفقرة الثانية على التزام الدولة بالاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان. والتي تحمي أيضاً حرمة المسكن وتصون الحق في السكن. وبحسب اتفاقية جنيف فإن ماحدث قد يرقى للتهجير القسري.

توصيات عاجلة

  • إبطال قرار لجنة الإسكان لعدم اختصاصها القانوني، والتأكيد أن أي إجراء إخلاء يجب أن يصدر حصراً بقرار قضائي فردي لكل عقار.
  • إعادة من تم ترهيبهم ودفعهم إلى إخلاء منازلهم التي شغلوها لعقود طويلة إلى هذه المنازل وضمان بقائهم وسلامتهم فيها وتطبيق القوانين والأنظمة.
  • إلزام محافظة دمشق باعتبارها الجهة المالكة والمختصة قانونياً بالملف، باحترام حقوق الشاغلين ووقف أي تدخلات خارج صلاحياتها.
  • فتح تحقيق قضائي مستقل في الانتهاكات التي رافقت عملية الإخلاء (اعتقالات، اقتحامات، تخريب الممتلكات).
  • ضمان حق السكان في السكن الملائم وفق الدستور السوري والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
  • تجميد أي قرارات جماعية بالإخلاء في الأحياء المخالفة لحين وضع خطة وطنية واضحة لمعالجة ملف العشوائيات، تراعي حقوق السكان.
  • إشراك المجتمعات المحلية (المخاتير، لجان الأحياء، منظمات المجتمع المدني) في أي خطط تتعلق بالسكن العشوائي، بدلًا من فرض قرارات فوقية.
  • مناشدة المجتمع الدولي للضغط على الحكومة السورية لوقف سياسات التهجير القسري والتعامل التمييزي مع الأحياء السكنية.