المختارية.. مجازر جماعية تودي بحياة 148 إنسان قتل طائفي وخارج القانون

مازلت هارباً لم أعد إلى القرية، فالخوف يأكل قلبي، والمسلحون الإسلاميون التابعون للحكومة الانتقالية في سوريا ما زالوا فيها يعفشون ما تبقى في منازل السكان. وكل طريق في القرية يذكرني بأخ وابن عم قتلوه بدم بارد.

ماذا حدث في الخريبة والمختارية؟

يقول أحد الشهود

بدأت الأرتال بالوصول إلى محيط القرية العلوية حوالي الساعة 4 صباحاً، وقد ترافق وصولها مع أصوات الزمامير والأناشيد الدينية التي سمع صداها في كل المنطقة. توقعنا في البداية أنها أرتال عابرة ولم نعتقد أنها قادمة لقريتنا، حيث ليس لدينا فلول نظام ولم يكن معنا أي أسلحة.توقفت الأرتال على طريق M4 المواجه تماماً للقرية، وبدا طولها حوالي 4 كم، ومنها عربات تحمل رشاشات وسيارات وآلات عسكرية خفيفة.

القصف يبدأ

قبل الساعة السادسة صباحاً تقدمت أرتال عسكرية وانتشرت على أطراف القرية، ثم بدأت مدافع 23 بإطلاق النار على البيوت من كل الاتجاهات، وترافقت مع أصوات انفجارات لا أعرف إذا كانت قنابل أو قذائف هاون أو شيء من هذا القبيل.
كان إطلاق النار مباشراً على المنازل، واعتقد كل منا أن منزله يستهدف عن طريق الخطأ، ولذلك لم يهرب الأهالي من منازلهم، ولم يخرجوا للأحراش في هذه المرحلة. بل ظلوا فيها معتقدين أنهم إن بقوا في منازلهم سيكونون محميين آمنين. ومع استمرار إطلاق النار لفترة طويلة من مدافع 23 بدأ الرصاص يخترق المنازل ويقتل الأهالي في منازلهم.

الهروب الأول

في هذه الأثناء شعرت أن الأمور ليست استهدافاً عشوائياً، فقد طالت مدة القصف وحدته باتجاه المنزل، لذلك ناديت لإخوتي أن يهربوا (يسكنون بجواره)، وهربت واحتميت بقن الدجاج الذي يبتعد قليلاً عن منزلي.
بعد إغراق القرية بالنيران… بدأت الاقتحامات

ارتال وزارة الدفاع على اطراف قرية المختارية صباح الجمعة 7 آذار 2025

اجتياح مفاجئ

يقول شاهد في القرية: بعد توقف إطلاق النار دخلت مئات السيارات للقرية، ومعظمها من نوع “هوندا سانتفي”، بالإضافة لسيارات بيك آب عليها أسلحة (بحسب مجمل الشهادات فإن سيارات البيك آب بمعظمها كانت من نوع كيا بيضاء وعليها رشاش 23). كل سيارة اتجهت إلى منزل في القرية، وكانت معظم السيارات تضع أناشيد دينية ويصيح العناصر صيحات دينية.لم نكن نتوقع أنهم سيدخلون إلى القرية بهذا الشكل، ولا أن أهدافهم ارتكاب مجزرة فيها، وإلا كنا هربنا. لقد أحسنا الظن بهم لكنهم كانوا متوحشين جداً، ولم يميزوا بين من هو شاب أو عجوز من أهالي القرية خلال قتلهم لهم.

الاختباء في قن الدجاج

نعود للشاهد الذي اختبأ في قن الدجاج واستعان بـ “مشمع نايلون” ليحاول إخفاء مكانه بعد أن بدأ الاستماع للتكبيرات، وشعر باقتراب العناصر إلى المنازل. في هذه الأثناء كان يسمع أصوات استغاثة من منزل جاره وهو في السبعين من عمره وقد أصيب أثناء إطلاق النار على المنازل بعد أن اخترقت رصاصة الجدار.

اقتحام المنازل

وصل المسلحون الذين كانوا يرتدون زياً عسكرياً ويلبسون جعبات من لون رمادي إلى المنازل. رأيتهم يصلون إلى منزل أخي، كسروا الباب ودخلوا. أخرجوه مع إخوتي البقية. كنت قد تركت مفتاح منزلي في الباب عندما هربت. قلت في نفسي إذا قرروا أن يدخلوا إلى البيت يمكنهم الدخول من دون تكسير، علماً أنه من عاداتنا أن نترك المفتاح في باب المنزل فجميعنا من عائلة واحدة نسكن متجاورين. لكنهم كسروا الباب أيضاً ودخلوا.

الاعتقال والتعذيب والقتل الجماعي

أخذوا إخوتي الأربعة وذهبوا بهم باتجاه الطريق الرئيسي، وهنا بدؤوا بتجميع أهالي البيوت المحيطة بنا في ظل شتائم طائفية وضرب بالأيدي والأرجل والعصي وإجبار على العواء مثل الكلاب.تتفق جميع الشهادات أن الفصائل جمعوا كل من عثروا عليه من الرجال بدءاً من عمر 15 عاماً وما فوق، بعض من تم جمعهم في السبعين من العمر، في حين نجح بعض الرجال بالهرب والاختباء في البساتين والأراضي الزراعية.

مشاهد الإعدام

يقول شاهد: لقد جمعوا الأهالي عن طريق الزحف والعواء. كانوا يضربونهم بشدة حتى أثناء دفعهم. وعندما جمعوهم شاهدت بعيني أشقائي وهم يتلقون الرصاص في صدورهم. إخوتي وأبناء عمي وعمتي جميعهم قتلوا بالرصاص في صدورهم وبطونهم.

شهادات على الضحايا

أحمد حافظ عبد الله: يعاني من مرض الناعورة، اقتيد من منزله إلى الشارع ثم تم قتله.
عائلة آل الشرقي: أب وأولاده، تم اقتيادهم من المنزل وأجبر بعضهم على خلع ملابسهم قبل قتلهم.
علي فريد عبد الله: أخرجوه من المنزل وقتلوه أمام زوجته وأولاده.
أحمد الشرقي: شاب تعرض لحادث سيارة وأصيب بعجز جزئي، رُمي من الطابق الثاني، وعندما لم يمت أُطلق الرصاص عليه.

“لقد فتحنا لهم منازلنا واستقبلناهم وكأنهم أبناؤنا، لكنهم قتلونا. عندما فتح زوجي باب المنزل لهم واستقبلهم قتلوه على الفور. ثم دخلوا إلى المنزل وبدأوا بالصراخ علينا، ثم أشعلوا النيران في غرفة الأولاد ونحن داخل المنزل. لقد نفذوا مجزرة بحق العشرات من أبناء القرية أمام عيني. شاهدتهم وهم يقتلونهم.”

شهادة أم قتل زوجها وتعرض ابنها لضرب مبرح رغم أنه قاصر

الاعتقال والتعذيب والقتل الجماعي

أخذوا إخوتي الأربعة وذهبوا بهم باتجاه الطريق الرئيسي، وهنا بدؤوا بتجميع أهالي البيوت المحيطة بنا في ظل شتائم طائفية وضرب بالأيدي والأرجل والعصي وإجبار على العواء مثل الكلاب.تتفق جميع الشهادات أن الفصائل جمعوا كل من عثروا عليه من الرجال بدءاً من عمر 15 عاماً وما فوق، بعض من تم جمعهم في السبعين من العمر، في حين نجح بعض الرجال بالهرب والاختباء في البساتين والأراضي الزراعية.

التوثيق والأعداد

استطعنا توثيق 148 شخصاً قضوا في جرائم طائفية استهدفت أهالي قريتي المختارية والخريبة المتجاورتين. في حين ما زال هناك مفقودون يُجهل مصيرهم.
قتل الضحايا في 3 مواقع رئيسية:
– ساحة المختارية عند الموقف
– قرب المدرسة
– ساحة الخريبة أمام دكان أبو أحمد الذي قُتل أيضاً

تفاصيل مروعة إضافية

– إصابات الضحايا تنوعت بين الرأس، البطن، الصدر، وإطلاق النار على كامل الجسد.
– بعض الضحايا أطلق النار على جثامينهم ومثّل بها.
– مختار القرية قُتل مع ابنه بعد أن عرّف عن نفسه للمسلحين.

هدف المجزرة: إبادة ذكور القرية

تقول شاهدة: كان الهدف إبادة كل الذكور في القرية على أساس طائفي. أحد الضحايا، علي نجيب عبد الله، وهو رجل في السبعين من عمره، بقي في سريره. وبعد أن جمعوا رجال القرية الذين عثروا عليهم، عادوا إليه وقتلوه في المنزل. وقبل قتله قالوا له: “لم يبق في القرية رجل سواك.”

لحظة الهروب الجماعي

تروي شاهدة تفاصيل الهرب: “حوالي الساعة 2 ظهراً، بعد 7 أو 8 ساعات على بدء المجزرة، بدأت المخاطر على النساء تتزايد. بدأ بعض الأفراد يوجهون خطاباً مباشراً لبناتي ويهددونهن. فقررت الهرب بهن إلى الأحراش والبساتين.”

معاناة الناجين

المسافة المقطوعة: مشوا حوالي 6 كم قبل أن يستريحوا.
الأطفال اليتامى: “كنت أنظر إلى ابنتي ذات الست سنوات وأقول في نفسي: لقد أصبحت يتيمة وقد شاهدت والدها يُقتل أمامها.”

مجزرة الخريبة

التجمع كان في منزل على أطراف القرية.
المسلحون أخرجوا كل الرجال، بمن فيهم الأطفال دون سن 15.
أحد الشهود: “عند وصولنا إلى ساحة القرية بدأوا يطلقون النار علينا واحداً تلو الآخر.”

ترهيب النساء والتهجير

المسلحون سرقوا الهواتف والمصاغ والأموال.
أحرقوا عدداً كبيراً من المنازل.
وُجهت للنساء عبارات طائفية.
أُجبرت النساء على مغادرة القرية، ثم أُحرقت المنازل.

الحرق مستمر

استمرت عمليات الحرق بعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية.
آخر حريق: تم توثيقه بتاريخ 14 آذار 2025.
جرى نقل أدوات منزلية مسروقة من القرية في سيارات بيك آب.

تقاعس السلطات

تواجد جهاز الأمن العام أثناء عمليات الحرق والسرقة.
لم يُسمح للأهالي بالعودة حتى 16 آذار 2025.
لم يتلقَ الأهالي مساعدات أو دعم نفسي.
لم يتمكن الأهالي من دفن ذويهم، وتم دفنهم في مقبرة جماعية.

قرية المختارية

قرية في ريف محافظة اللاذقية، يقطنها سكان علويون.
تقع على طريق M4 الواصل بين اللاذقية ومحافظتي إدلب وحلب.
شهدت مجزرة موثقة قُتل فيها 148 شخصاً.
من بين الضحايا امرأة وأطفال تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً.
المجزرة وقعت في 7 آذار 2025، وتبعها انتهاكات طائفية مستمرة.
الأهالي يرون أن ما حدث محاولة إبادة جماعية على أساس طائفي.